فصل: تفسير الآية رقم (81):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)}
أخرج ابن المنذر والخطيب عن ابن عمر قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فقال: «يا هؤلاء ألستم تعلمون أني رسول الله إليكم؟ قالوا: بلى. قال: ألستم تعلمون أن الله أنزل في كتابه أنه من أطاعني فقد أطاع الله؟ قالوا: بلى، نشهد أنه من أطاعك فقد أطاع الله، وإن من طاعته طاعتك. قال: فإن من طاعة الله أن تطيعوني، وإن من طاعتي أن تطيعوا أئمتكم، وإن صلوا قعودًا فصلوا قعودًا أجمعين».
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن المنذر عن ربيع بن خثيم، قال: حرف، وأيما حرف {من يطع الرسول فقد أطاع الله} فوض إليه فلا يأمر إلا بخير.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد. أنه سئل عن قوله: {فما أرسلناك عليهم حفيظًا} قال: هذا أول ما بعثه قال: إن عليك إلا البلاغ، ثم جاء بعد هذا يأمره بجهادهم والغلظة عليهم حتى يسلموا. اهـ.

.تفسير الآية رقم (81):

قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان من شأن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحفظ من أطاعه ومن عصاه ليبلغ ذلك من أرسله، وكان سبحانه وتعالى قد أشار له إلى الإعراض عن ذلك، لكونه لا يحيط بذلك علمًا وإن اجتهد؛ شرع يخبره ببعض ما يخفونه فقال حاكيًا لبعض أقوالهم مبينًا لنفاقهم فيه وخداعهم {ويقولون} أي إذا أمرتهم بشيء من أمرنا وهم بحضرتك {طاعة} أي كل طاعة منا لك دائمًا، نحن ثابتون على ذلك، والتنكير للتعظيم بالتعميم {فإذا برزوا} أي خرجوا {من عندك بيَّت طائفة} هم في غاية التمرد {منهم} أي قدرت وزورت على غاية من التقدير والتحرير مع الاستدارة والتقابل كفعل من يدبر الأمور ويحكمها ويتقنها ليلًا {غير الذي تقول} أي تجدد قوله لك في كل حين من الطاعة التي أظهروها أو غير قولك الذي بلغته لهم، وأدغم أبو عمرو وحمزة التاء بعد تسكينها استثقالًا لتوالي الحركات في الطاء لقرب المخرجين، والطاء تزيد بالإطباق، فحسن إدغام الأنقص في الأزيد؛ وأظهر الباقون، والإدغام أوفق لحالهم، والإظهار أوفق لما فصح من محالهم.
ولما كان الإنسان من عادته إثبات الأمور التي يريد تخليدها بالكتابة أجرى الأمر على ذلك فقال: {والله} أي والحال أن الملك المستجمع لصفات الكمال {يكتب ما يبيتون} أي يجددون تبييته كلما فعلوه، وهو غني عنه ولكن ذلك ليقربهم إياه يوم يقوم الأشهاد، ويقيم به الحجة عليهم على ما جرت به عاداتهم، أو يوحى به إليك فيفضحهم بكتابته وتلاوته مدى الدهر، فلا يظنوا أن تبييتهم يغنيهم شيئًا.
ولما تسبب عن ذلك كفايته صلى الله عليه وسلم هذا المهم قال: {فأعرض عنهم} أي فإنهم بذلك لا يضرون إلا أنفسهم {وتوكل} أي في شأنهم وغيره {على الله} أي الذي لا يخرج شيء عن مراده {وكفى بالله} أي المحيط علمًا وقدرة {وكيلًا} فستنظر كيف تكون العاقبة في أمرك وأمرهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ} أي ويقولون إذا أمرتهم بشيء {طَاعَةٌ} بالرفع، أي أمرنا وشأننا طاعة، ويجوز النصب بمعنى أطعناك طاعة، وهذا كما إذا قال الرجل المطيع المنقاد: سمعا وطاعة، وسمع وطاعة.
قال سيبويه: سمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقال لهم كيف أصبحت؟ فيقول: حمدًا لله وثناءً عليه، كأنه قال: أمرى وشأني حمدا لله.
واعلم أن النصب يدل على مجرد الفعل.
وأما الرفع فإنه يدل على ثبات الطاعة واستقرارها {فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ} أي خرجوا من عندك {بَيَّتَ طَائِفَةٌ مّنْهُمْ غَيْرَ الذي تَقُولُ}. اهـ.
قال الفخر:
قال الزجاج: كل أمر تفكروا فيه كثيرًا وتأملوا في مصالحه ومفاسده كثيرًا قيل هذا أمر مبيت، قال تعالى: {إِذْ يُبَيّتُونَ مَا لاَ يرضى مِنَ القول} [النساء: 108]
وفي اشتقاقه وجهان: الأول: اشتقاقه من البيتوتة، لأن أصلح الأوقات للفكر أن يجلس الإنسان في بيته بالليل، فهناك تكون الخواطر أخلى والشواغل أقل، فلما كان الغالب أن الإنسان وقت الليل يكون في البيت، والغالب له أنه إنما يستقصي في الأفكار في الليل، لا جرم سمي الفكر المستقصى مبيتا.
الثاني: اشتقاقه من بيت الشعر.
قال الأخفش: العرب إذا أرادوا قرض الشعر بالغوا في التفكر فيه فسموا المتفكر فيه المستقصى مبيتا، تشبيها له ببيت الشعر من حيث أنه يسوى ويدبر. اهـ.
فائدة:
إنه تعالى خص طائفة من جملة المنافقين بالتبييت، وفي هذا التخصيص وجهان:
أحدهما: أنه تعالى ذكر من علم أنه يبقى على كفره ونفاقه، فأما من علم أنه يرجع عن ذلك فإنه لم يذكرهم.
والثاني: أن هذه الطائفة كانوا قد أسهروا ليلهم في التبييت، وغيرهم سمعوا وسكتوا ولم يبيتوا، فلا جرم لم يذكروا. اهـ.
قال الفخر:
قرأ أبو عمرو وحمزة {بَيَّتَ طَائِفَةٌ} بادغام التاء في الطاء، والباقون بالإظهار أما من أدغم فله فيه وجهان:
الأول: قال الفراء: جزموا لكثرة الحركات، فلما سكنت التاء أدغمت في الطاء، والثاني: أن الطاء والدال والتاء من حيز واحد، فالتقارب الذي بينها يجريها مجرى الأمثال في الإدغام، ومما يحسن هذا الإدغام أن الطاء تزيد على التاء بالاطباق، فحسن إدغام الأنقص صوتًا في الأزيد صوتًا.
أما من لم يدغم فعلته أنهما حرفان من مخرجين في كلمتين متفاصلتين، فوجب إبقاء كل واحد منهما بحاله. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الذي تَقُولُ والله يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ} أي أمْرُنا طاعةٌ، ويجوز {طاعةً} بالنصب، أي نطيع طاعة، وهي قراءة نصر بن عاصم والحسن والجَحْدرِي.
وهذا في المنافقين في قول أكثر المفسرين؛ أي يقولون إذا كانوا عندك: أمْرُنا طاعَةٌ، أو نطيع طاعةً، وقولهم هذا ليس بنافع؛ لأن من لم يعتقد الطاعة ليس بمطيع حقيقة، لأن الله تعالى لم يحقق طاعتهم بما أظهروه، فلو كانت الطاعة بلا اعتقاد حقيقة لحكم بها لهم؛ فثبت أن الطاعة بالاعتقاد مع وجودها.
{فَإِذَا بَرَزُواْ} أي خرجوا {مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ} فذكّر الطائفة لأنها في معنى رجال.
وأدغم الكوفيون التاء في الطاء؛ لأنهما من مخرج واحد، واستقبح ذلك الكسائي في الفعل وهو عند البصريين غير قبيح.
ومعنى {بَيَّتَ} زَوّر ومَوّه.
وقيل: غيّر وبدّل وحَرّف؛ أي بدّلوا قول النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما عَهِده إليهم وأمرهم به.
والتّبييت التبديل؛ ومنه قول الشاعر:
أتَوْنِي فلم أرْضَ ما بَيَّتُوا ** وكانوا أتَوْنِي بأمرٍ نُكُرْ

لأُنكِحَ أَيِّمهم مُنْذرًا ** وهل يُنكح العبدَ حُرٌّ لحُرْ

آخر:
بيَّتَ قولِيَ عبدُ المليـ ** ـك قاتله اللَّه عبدًا كفورًا

وبيّت الرجل الأمر إذا دبّره ليلًا؛ قال الله تعالى: {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يرضى مِنَ القول} [النساء: 108].
والعرب تقول: أمرٌ بُيِّت بليلٍ إذا أحكِم.
وإنما خُصّ الليل بذلك لأنه وقت يُتفرّغ فيه.
قال الشاعر:
أجمعوا أمرهم بليلٍ فلما ** أصبحوا أصبحت لهم ضَوضَاء

ومن هذا بيّت الصيام.
والبَيُّوت: الماء يبِيت ليلًا.
والبَيُّوت: الأمر يُبَيِّت عليه صاحبُه مُهْتَمًّا به؛ قال الهذلي:
وأجعلُ فِقْرتها عُدّةً ** إذا خِفْتُ بَيُّوتَ أمْرٍ عُضالِ

والتَّبْيِيتُ والبَيات أن يأتي العدوَّ ليلًا.
وبات يفعل كذا إذا فعله ليلًا؛ كما يقال: ظل بالنهار.
وبيَّت الشيء قَدّر.
فإن قيل: فما وجه الحكمة في ابتدائه بذكر جملتهم ثم قال: {بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ}؟ قيل: إنما عبر عن حال من علم أنه بقي على كفره ونفاقه، وصفح عمن علم أنه سيرجع عن ذلك.
وقيل: إنما عبّر عن حال من شَهِد وحار في أمره، وأما من سمع وسكت فلم يذكره. والله أعلم. اهـ.

.قال الفخر:

ذكر الزجاج فيه وجهين:
أحدهما: أن معناه ينزل إليك في كتابه.
والثاني: يكتب ذلك في صحائف أعمالهم ليجازوا به. اهـ.

.قال ابن عاشور:

ومعنى {والله يكتب ما يبيّتون} التهديد بإعلامهم أنّه لن يفلتهم من عقابه، فلا يغرنّهم تأخّر العذاب مدّة.
وقد دلّ بصيغة المضارع في قوله: {يكتب} على تجدّد ذلك، وأنّه لا يضاع منه شيء. اهـ.

.قال القرطبي:

وفي هذه الآية دليل على أن مجرّد القول لا يفيد شيئًا كما ذكرنا؛ فإنهم قالوا: طاعة، ولَفَظُوا بها ولم يحقق الله طاعتهم ولا حكم لهم بصحتها؛ لأنهم لم يعتقدوها.
فثبت أنه لا يكون المطيع مطيعًا إلا باعتقادها مع وجودها. اهـ.

.قال الفخر:

والمعنى لا تهتك سترهم ولا تفضحهم ولا تذكرهم بأسمائهم، وإنما أمر الله بستر أمر المنافقين إلى أن يستقيم أمر الإسلام.
ثم قال: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} في شأنهم، فإن الله يكفيك شرهم وينتقم منهم {وكفى بالله وَكِيلًا} لمن توكل عليه.
قال المفسرون: كان الأمر بالإعراض عن المنافقين في ابتداء الإسلام، ثم نسخ ذلك بقوله: {جاهد الكفار والمنافقين} [التوبة: 73، التحريم: 9] وهذا الكلام فيه نظر، لأن الأمر بالصفح مطلق فلا يفيد إلا المرة الواحدة، فورود الأمر بعد ذلك بالجهاد لا يكون ناسخا له. اهـ.